فبعد مرور 13 عاماً على إطلاق أول صاروخٍ من قطاع غزة، تعرض القطاع خلالها لثلاثة حروب إسرائیلیة کبیرة کان آخرها عدوان 2014، أثبت هذا السلاح مدى فعالیته وتأثیره فی مسار الحرب؛ وتحول من مجرد إزعاج هامشی على خلفیة أحداث انتفاضة الأقصى 2000، لا یهتم به صنّاع القرار فی تل أبیب، إلى خطر متصاعد باتجاه أن یکون خطراً استراتیجیاً، لا یبدو أن الاحتلال یملک القدرة على التعامل معه فی الوقت الراهن، أو التخلص منه نهائیاً.
ویعرض هذا الکتاب فی جزئه الأول مراحل تطور القدرات الصاروخیة الفلسطینیة، وجهات التصنیع، فقد بدأت المراحل الأولى لإنتاج الصواریخ، فی قطاع غزة، بالبحث عن الوسائل والمواد المتفجرة المستخدمة فی الصواریخ، حیث واجهت خلالها المقاومة الفلسطینیة الکثیر من العقبات والصعوبات؛ تمثلت فی عدم توفر المواد اللازمة فی الأراضی المحتلة، مما حدا بوحدات الهندسة والتطویر التابعة للأجنحة المسلحة للاعتماد على الذات فی صناعة المواد اللازمة لصنع الصاروخ.
حاول الاحتلال الإسرائیلی منع وصول الأسلحة والمواد اللازمة إلى أیدی المقاومین، من خلال فرض حصار مشدد على الأراضی الفلسطینیة فی الضفة الغربیة وقطاع غزة، حتى إن قوات الاحتلال قامت بمنع معظم المواد الأولیة التی تدخل فی بعض الصناعات الفلسطینیة، وأهمها مواد "التنظیف" التی یُعتقد أنها تحتوی على مرکّبات لها استخدام مزدوج، وتستفید منها المقاومة فی تصنیع المتفجرات. کما أنها حاولت منع دخول بعض المواد التی تُستخدم فی الزراعة، وأهمها مادة "الیوریا" التی تعتقد قوات الاحتلال أنها العنصر الرئیسی فی تصنیع العبوات الناسفة.
لقد أثَّر ذلک على إنتاج المواد المتفجرة الخاصة بالصواریخ وغیرها من الصناعات القتالیة؛ إلا أن هذا التضییق لم یوقف التفکیر فی استحداث طرق محلیة لتخطی ذلک؛ حیثُ تؤکد مصادر فی کتائب القسام الذراع العسکری لحرکة المقاومة الإسلامیة حماس أنهم لجؤوا حتى إلى رَوْث البهائم لاستخراج بعض الغازات والمواد الکیماویة التی یمکن استخدامها فی تصنیع المتفجرات، وقد نجحوا فی ذلک.
فی هذا الصدد یؤکد أبو عبیدة الناطق باسم کتائب القسام، أن کافة الصواریخ حتى عام 2007 کانت مصنعة محلیاً، ولیست مستوردة، لافتاً النظر إلى الاستغناء عن مادة "تی.إن.تی"، التی تمّ الاستعاضة عنها بمواد مصنعة محلیاً وتوازی کفاءتها التفجیریة. بینما ذکرت صحیفة دیر شبیغل الألمانیة فی تقریر لها حول صناعة الصواریخ الفلسطینیة، أن المواد الأولیة للصاروخ تکلف حوالی 500 یورو.
وذکر التقریر أن أحد أفراد تصنیع الصواریخ التابع لحرکة الجهاد الإسلامی قال إنهم یأتون بمادة "تی.إن.تی" مِنْ السودان عن طریق مصر عبر الأنفاق، فی حین أن بعض المواد الأخرى تَصِلُ بالزوارق عبر البحرِ إلى غزة وهی من أوروبا الشرقیة. أما ترکیبة المواد الأولیة المستخدمة فی صناعة الصواریخ الفلسطینیة، فقد ذکر تقریر لشبکة "سی.أن.أن" الأمریکیة أنها خلیط من السکر والنفط والکحولِ إضافة إلى الأسمدة الکیماویة.
استفادت فصائل المقاومة من عملیة سیطرة حرکة حماس عسکریاً على القطاع، فی منتصف حزیران/ یونیو 2007؛ بعد أن بات التنسیق الأمنی بین السلطة و"إسرائیل" من الماضی، وأصبحت عملیات إدخال وتصنیع وتخزین وتجارب الصواریخ بعیدة عن الرصد والاستهداف من قبل قوات الاحتلال. وظهر أثر ذلک من خلال ترکیز المقاومة الفلسطینیة على إطلاق الصواریخ التی تحسنت دقتها وازداد مداها.
فی المقابل لعب التنسیق الأمنی بین السلطة الفلسطینیة و"إسرائیل" فی الضفة الغربیة، دوراً متقدماً فی الحدّ من قدرة المقاومة الفلسطینیة على نقل تکنولوجیا الصواریخ من قطاع غزة إلى الضفة، ولم تکن التزامات أوسلو الدافع الوحید لهذا التوجه لدى السلطة، بل کان الدافع الأقوى خوف السلطة من انتقال سیطرة حماس إلى الضفة بعد سیطرتها على القطاع فی منتصف 2007، خصوصاً بعد فشل جولات المصالحة الفلسطینیة ومسارات التسویة مع "إسرائیل"، وازدیاد عملیات بناء المستوطنات فی الضفة.
ثم یعرّج الکتاب فی جزئه الثانی، على تطور الوسائل الإسرائیلیة لمواجهة هذه الصواریخ، حیث أولت "إسرائیل" اهتماماً کبیراً للتصدی لعملیات تطویر صواریخ المقاومة فی قطاع غزة، ولمنع نقل تکنولوجیا الصواریخ إلى الضفة الغربیة، کما استعملت أذرعها العسکریة والأمنیة للحد من عملیات تهریب الصواریخ إلى القطاع، ونفذت عملیات أمنیة وعسکریة خلف الحدود للغرض ذاته. وقد نجحت حتى کتابة هذه السطور، فی منع نقل الصواریخ إلى الضفة، مستفیدة من "إنجازات" التنسیق الأمنی المستمر بین أجهزة أمن السلطة الفلسطینیة والجیش الإسرائیلی. إلا أنها لم توفق بشکل کامل فی الحد من عملیات تهریب الصواریخ وموادها الأولیة إلى القطاع.
أما فیما یخص مواجهة الصواریخ التی تم تصنیعها أو إدخالها إلى القطاع، فقد قام الکیان بصنع منظومة القبة الحدیدیة المتخصصة لاعتراض هذه الصواریخ، إلا أن النتائج والوقائع لم تثبت نجاعة هذه المنظومة حتى تاریخه. ففی حین أعلن نائب وزیر الدفاع الإسرائیلی ماتان فلنائی أن منظومة القبة الحدیدیة، ستکون قادرة على اعتراض ما لا یقل من 80% من الصواریخ قصیرة المدى التی تطلق على "إسرائیل"، أکد خبراء فی الشأن العسکری أن نسبة نجاح المنظومة لا تتعدى 5% على أرض الواقع.
لا تقف مشاکل القبة الحدیدیة عند نقص کفاءتها، وإنما فی تکلفتها العالیة مقارنة بصواریخ المقاومة؛ فبینما تکلف المنظومة الواحدة نحو60 ملیون دولار، وتکلف عملیة الاعتراض الواحدة على الصاروخ نحو 100 ألف دولار، فإن صاروخ المقاومة لا یکلف سوى بضع مئات من الدولارات، ولا تزید فی حالة صواریخ جراد عن بضعة آلاف من الدولارات.
ثم یتناول الکتاب فی جزئه الثالث، "أثر الصواریخ الفلسطینیة ودورها فی المقاومة الفلسطینیة"، بدایة فی دورها فی الانسحاب الإسرائیلی من قطاع غزة فی عام 2005؛ حیث شکلت صواریخ المقاومة عنصراً مهماً وأساسیاً من عناصر اتخاذ قرار الانسحاب، وذلک بعد أن أصبحت الکلفة العسکریة والأمنیة أکبر من أن یتحملها الجیش الإسرائیلی، جراء حمایته نحو ثمانیة آلاف مستوطن یقطنون فی المستعمرات الواقعة فی قطاع غزة.
وقد أشارت مصادر عسکریة إسرائیلیة، عشیة تطبیق خطة الانفصال من قطاع غزة، إلى أن فصائل المقاومة أطلقت على التجمعات الاستیطانیة فی قطاع غزة أکثر من 5,626 صاروخاً وقذیفة منذ اندلاع انتفاضة الأقصى عام 2000.
کما کان لهذه الصواریخ دوراً رادعاً خلال التصدی للحروب الإسرائیلیة الثلاث التی شُنت على قطاع غزة، حیث تکبد الاحتلال خسائر مادیة واقتصادیة وعسکریة کان لها دور مؤثر فی اضطرار "إسرائیل" إلى التفاوض لإیقاف هذه الحروب الثلاثة، وبدا تطور هذه الصواریخ واضحاً خلال هذه الفترة، خصوصاً بعد تطور مدیاتها بشکل لافت، ودخول أعداد کبیرة من الإسرائیلیین فی مدى إصاباتها، ففی العدوان الإسرائیلی على غزة 2008-2009 وصل مدى هذه الصواریخ حتى مدینة بئر السبع التی تقع 40 کم من شرق القطاع، ودخل فی دائرة التهدید نحو 750 ألف إسرائیلی. أما فی العدوان على غزة 14-21/11/2012، فقد وصل مدى هذه الصواریخ "M75" إلى مدینة هرتسیلیا شمال تل أبیب، والتی تبعد 80 کم شمال قطاع غزة، وقصفت المقاومة القدس، وتل أبیب، بالإضافة إلى بئر السبع، وبات نحو خمسة ملایین إسرائیلی فی مرمى هذه الصواریخ.
وفی العدوان على قطاع غزة 2014 فقد وصل مدى صواریخ المقاومة إلى 160 کم، صاروخ "R160"، حیث استطاعت الوصول إلى مدینتی حیفا والخضیرة اللتین تبعدان أکثر من 100 کم من قطاع غزة، وأصبح أکثر من ستة ملایین إسرائیلی فی مرمى الصواریخ. وقد دخلت معظم المدن الرئیسیة داخل الأراضی المحتلة فی مرمى الصواریخ کتل أبیب، وحیفا، والقدس، ودیمونا، والخضیرة، بالإضافة إلى مطار بن جوریون وعدد من المطارات والقواعد العسکریة.
ویسلط المؤلف فی الجزء الأخیر من الکتاب، الضوء على تتطور الصواریخ من حیث الکم والنوع والمدى خلال الـ 13 سنة الماضیة. وهنا یشیر إلى أن الإحصائیات الإسرائیلیة حول أعداد الصواریخ الفلسطینیة تمیزت بوجود فوارق کبیرة، تدل إما عن إرباک داخل المؤسسة الإسرائیلیة، وإما، وهو الأرجح، أنها تستخدم هذه الأرقام المتفاوتة خدمة لروایتها الرسمیة للتضلیل الإعلامی؛ بغیة التغطیة على حجم نتائج اعتداءاتها على الفلسطینیین حیناً بتضخیم الأرقام، أو الحفاظ على تماسک الجبهة الداخلیة والتخفیف من الانتقادات الداخلیة والاتهامات بالتقصیر للمؤسسة العسکریة من خلال تقلیل أعداد الصواریخ والتخفیف من نتائج أضرارها.
ونشر موقع صحیفة هآرتس، مقالاً لـ جدعون لیفی، جاء فیه أنه فی سنة 2001 أُطلقت 4 صواریخ من غزة، وفی 2002 أُطلق 34 صاروخاً، وفی 2003 أطلق 155 صاروخاً، وفی 2004 أطلق 281 صاروخاً.
وبحسب تقریر للشاباک سجلت سنة 2005، سقوط 400 صاروخ فلسطینی على المستعمرات الإسرائیلیة، مقابل سقوط 1,722 صاروخاً فی سنة 2006، و1,263 صاروخاً فی سنة 2007. بینما ذکرت معطیات وزارة الخارجیة الإسرائیلیة أن عدد الصواریخ سنة 2006 بلغ 861 صاروخاً، وأشار بیان قدمته "إسرائیل" إلى مجلس الأمن الدولی حول الأوضاع الراهنة فی قطاع غزة وسدیروت فی 22/1/2008، إلى أن الفلسطینیین أطلقوا من قطاع غزة ما یزید عن ألفی صاروخ فی سنة 2007.
وفی 2008 أطلقت المقاومة 2,048 صاروخاً، و160 صاروخاً فی 2009 باستثناء العدوان على غزة نهایة 2008 بدایة 2009، أما فی سنة 2010 فأطلقت المقاومة 150 صاروخاً، و676 صاروخاً فی 2011، وفی 2012 أطلقت المقاومة نحو 1,731 صاروخاً، مقابل 55 صاروخاً ومقذوفة أطلقت فی 2013. أما فی سنة 2014 قال الجیش الإسرائیلی إن أکثر من 4,382 صاروخاً من غزة على إسرائیل خلال العدوان، لکن هناک تقدیرات الأولیة تشیر إلى أن المقاومة أطلقت أکثر من 8 آلاف صاروخاً وقذیفة.
جدول: عدد الصواریخ التی أطلقت سنویاً من غزة تجاه الأراضی الفلسطینیة المحتلة عام 1948 منذ 2001 إلى 2014:
السنة | عدد الصواریخ |
2001 | 4 |
2002 | 34 |
2003 | 155 |
2004 | 281 |
2005 | 400 |
2006 | 1,700 |
2007 | 1,263 |
2008 | 2,048 |
2009 | 160 |
2010 | 150 |
2011 | 676 صاروخاً وقذیفة |
2012 | نحو 1,731 |
2013 | 55 صاروخاً وقذیفة |
2014 |
نحو 8 آلاف صاروخاً وقذیفة خلال عدوان 2014 |
کما یشیر الکتاب فی الختام إلى أنه إلى جانب تطور الصناعة الصاروخیة الفلسطینیة، طورت المقاومة من استراتیجیات وتکتیکات استخدام هذه الصواریخ؛ بحیث استعملت الأنفاق کمواقع لمنصات الإطلاق، مما قلل بشکل کبیر من قدرة الطائرات الإسرائیلیة من اکتشافها وقصفها. ولم تکن عملیات إطلاق الصواریخ نتیجة ردة فعل أو تسرّع، بل اتبعت تکتیکات واستراتیجیات وضعت مسبقاً، بحیث تم قصف الأهداف الإسرائیلیة على مدى جمیع الأیام خلال الحروب الثلاثة، مما أفقد العدو قدرة تقدیر حجم المخزون الصاروخی للمقاومة، ومدى تأثر عملیات الإطلاق بالقصف الإسرائیلی، کما تم الترکیز على الأهداف الأکثر أهمیة کالمطارات والمدن الکبرى، بالإضافة إلى تکثیف استعمال قذائف الهاون والصواریخ قصیرة المدى فی ضرب غلاف غزة والتی لا یمکن لمنظومة القبة الحدیدة أن تسقطها.
وهذا الکتاب من الکتب والدراسات القلیلة التی تعرضت لدراسة صواریخ المقاومة الفلسطینیة بشکل شامل، وتتبعت تطورها منذ بدایتها وحتى صیف 2015. وهو یُعدُّ مرجعاً مهماً للمهتمین بهذا المجال، خصوصاً وأنه کتُب وفق أصول البحث العلمی ومناهجه، وتم توثیق معلوماته بشکل دقیق.
نظراتی که حاوی توهین یا افترا به اشخاص ،قومیت ها ،عقاید دیگران باشد و یا با قوانین کشور وآموزه های دینی مغایرت داشته باشد منتشر نخواهد شد - لطفاً نظرات خود را با حروف فارسی تایپ کنید.